الجمعة، 14 يناير 2011

بشرى السنونو


الفنانة نوران
نورالهدى الشابي 
بشرى السنونو

منذ كنا صغارا وأسئلة كثيرة كانت تدور في حلقة مفرغة ذات ألوان مرعبة... تعلمنا بالفطرة القوة واكتساب الطول والفكر والحرية وعلمونا الخوف والعيب واحترام الكبار.
كبرنا ولكننا لم نصبح مثلهم كبارا مثلما اعتقدنا.. كنا نرى كبارنا يصفقون لكبارهم، يصفقون وأعينهم تدعونا ان نتعلم حتى ننجح ونصير مثلهم محترمين. فحلمنا بالمجد عنوانه الإحترام وفتحنا الكتب فكانت تواقيع كبارهم على شعارات تأخذنا على بساط السنين واعتقدنا بأن بشرى السنونو تطير بأحلامنا وترسمها بحبر مقدس على سماء المستقبل القريب البعيد.

وها نحن قد كبرنا ولم يكبر ذلك الطفل فينا بل في قلب أضحى حزين... فقد كبر وفهم لماذا كبارنا كانوا دائما غاضبين. اعتقدنا بأن حماقاتنا سبب غضبهم الدائم ولكن طيور السنونو كشفت سرهم العظيم... ولكن بعد عمر وسنين. فكبارنا كانوا من كبارهم خائفين وبالتصفيق لهم مهللين وبخنجر الذل في االقلب معتلين وفي البيت كانوا ولازالوا غاضبين وفي وجوهنا بضحكتهم الصفراء ساترين.

كبرنا ولم يكبر ذلك الطفل ذو القلب الحزين... انهم كبارنا أصبحوا شيوخا مساكين وكبارهم صاروا أكثر كبرا وكبرا بل أصبحوا طغاة مترفين. ولكن كبارنا لازالوا لكبارهم بالأيادي مصفقين وهانحن كبارا ولكن للكِبر صرنا حاقدين وعلى نيل الإحترام مثل كبارَ كابرنا يائسين ومن بشرى السنونو قانطين.
فقررنا أن نطير... علنا نجد بشرانا أضاعتها السنونو والسنين. فأتينا وبأقدارنا إلتقينا ولكن إلى مدرسة وبين كتب أخرى ألفينا. فضحكنا ضحكة صفراء كان يضحكها من قبل كبارنا بين سنين الغضب وهم بالأيادي مصفقون...

ما كنا لنعي سر تلك الضحكة فقد كانت فطرتنا تسألهم عنها ولكنهم بالغضب كانوا على قاماتنا الصغيرة رادعين ومن عقولنا البسيطة ضحكة صفراء ضاحكين وبحيرتنا كانوا لامبالين وعنها  بالأحاديث المعتمة لاهين... فعزمنا بكل حزم على أن نكبر ونتعلم حتى يكبر الإحترام معنا ونجلس مع الكبار ونشاركهم الضحك ولن نكون مثلهم غاضبين ولاحتى بالضحكة الصفراء قابلين.

وطرنا وطارت أحلامنا المنتظرة معنا, وفهمنا لماذا طيور السنونو لم تستقر يوما بديارنا... فها قد أصبحنا مثل طائر السنونو نطير ونطير ومن حقنا أن نطير فنحن صرنا كبارا ومن حقنا أن نكون محترمين.. ولكنهم لم يصفقوا لنا. حتى دموع كبارنا محت الحبر المحفور على شهادات سنواتنا وما انفكوا لكبارهم مصفقين... وهاقد صرنا مع كبارنا نتبادل نفس الضحكة الصفراء ولكننا لسنا من كبارنا غاضبين بل على كبارهم ناقمين.

أوتعلمون لماذا؟

لأن كبارنا لم يكونو يوما حقيقة لكبارهم بالتصفيق مكترثين بل للإحترام المغتصب منهم ناشدين وعلى احترامنا من كبارهم حافظين وخائفين.
والعجب أن طائر السنونو كان لكبارنا من المساعدين فقد فهمت اليوم فهمت ولأول مرة وبعد سنين فهمت.. فهمت كبارنا وفهمت كبار كبارنا وفهمت نفسي... حتى أني فهت طائر السنونو الذي لم يتكلم ولم يتعلم يوما، فهمت لماذا لم يكن بديارنا من المستقرين.

كيف له أن يستقر وعمله لم يكن يوما بيسير؟ فقد كان يحمل من جنان البشرى لكبارنا الصبر والسلوى ويأخذ من قلوبهم الحزينة قهرا و دهرا ذو الإحترام المغتصب الأليم. لقد كان طائر السنونو منشغلا عنا وكانو كبارنا ملتهين بنا ولنا. كان طائر السنونو يأخذ من كبارنا كل الأجوبة الضائعة منا... عفوا التى كانت ضائعة منا ...فقد طرنا ووجدنا السنونو كلها تنتظرنا بأمانة عليها بثقيلة... أمانة اعتقدناها بشرى السنين.

تعلمنا... وفهمنا... وحفظنا الأمانة المغبرة بعقبات السنين.. بعدها عدنا إلى ما تعلمناه مذ كنا أطفالا صغارا ولكن كنا اقوياء ولم تكن قلوبنا الصغيرة منكسرة حزينة ولم نكن نضحك ضحكة صفراء ككبارنا...وقفنا وقفة الطائر الحزين ورمينا بمكتسبات الخوف والعيب واحترام الكبار, ولكن ليس كبارنا بل كبار كبارنا  ولم يعد في قلوبنا طائر حزين.

ولأول مرة صفقنا وما كنا بمصفقين ووقفنا وقفة احترام ولكن لكبارنا نحن ولم يعد ذلك الطفل فينا خائفا ولا على الأحلام الطائر ساكت وحزين... بل هانحن على كبار كبارنا ناقمين...

وفجأة... فجأة هانحن نعي.... أحسسنا... أجل تأملنا بعد أن تعلمنا... نعم لقد تنفسنا الإحترام ولمسنا بأيادينا الإحترام  وشربنا من كأس الإحترام.... أجل إنها لحظة احترام ... إنها وقفة احترام... ها نحن محترمون بعد سنين من تعب تصفيق الأيادي أيادي كبارنا المساكين.

واليوم أقسمنا أن نعود إلى ديارنا محترمين فما كنا في الحقيقة يوما غير محترمين ولكن كبار كبارنا كذبوا عليهم وجعلونا كالسنونو غير مستقرين.... كذبوا عليهم وعلينا وعلى أحلامنا وعلى السنونو وعلى السنين.
واليوم عدنا ولن نسمح لكبارنا بعد اليوم بالتصفيق... فإنهم هم أكبر الكبار... إنهم كبارنا وكبار السنين... لقد ضحوا باحترامهم حتى يحافظوا على احترامنا...عفوا ياكبارنا، لقد فهمنا اليوم فقط استطعنا أن نكسر جدار صمتكم المرير... لقد فهمنا سبب ضحكتكم الصفراء  وتألمنا لسجنكم الذي وجدنا فيه أنفسنا مكبلين ولكن عذرا فهمنا الطفل القوي فينا ولكن بعد سنين... عذرا يا طائر السنونو على حملك الثقيل... فلن ندع السنونو يرحل بعد اليوم فقد حان الوقت حتى نبشره نحن بالحدث العظيم...
لا بل نحن سنرحل بديارنا... سنطير إلى أحلامنا عساها ملت إنتظارنا.... سنطير حاملين على أكف الإحترام كبارنا والسنونو ترتاح في أحضاننا... سنصعد إلى القمة... إلى قمة الإحترام ونضحك ضحكة الكبار... ونحن كبارا... نضحك ضحكة ليست بصفراء على من صاروا من تحتنا صاغرين... فلا أحد بعد اليوم يصفق لهم وليسوا هم بمحترمين.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق